جرى يوم ——- اجتماع بين السيد رئيس المحكمة و السادة موظفي هيئة كتابة الضبط بقاعة الجلسات رقم 02 بالمحكمة الإبتدائية بسيدي بنور و فيما يلي نص كلمة الإجتماع التي ألقاها السيد خالد خلقي رئيس المحكمة :

بسم الله الرحمن الرحيم،و الصلاةو السلام على سيدنا محمد

الصادق الأمين،و على صحبه أجمعين.

حضرات السيدات و السادة

أما بعد،

قال تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» و قال صل الله عليه و سلم: «إن الله قد كتب عليكم السعي فاسعوا»… انطلاقا من هذين النصين الشرعيين الداعيين إلى العمل الجاد و السعي الدؤوب، تتبدى لنا مكانة العمل في الإسلام الذي أنزله منزلة العبادة فجعله مشاكلا لها و ألبسه ثوب القدسية، مهما شرف هذا العمل أو تواضع. و قد تعددت الآيات و الأحاديث التي حثت على العمل و السعي الهادف بما يحقق للأمة الإسلامية رقيها و ازدهارها، فالمجتمع لا تقوم قومته السليمة إلا بالصالحات من الأعمال التي تعتبر المقياس الأساسي الذي تقاس به قيمة المواطنين على اختلاف خدماتهم، فليس للإنسان كما يقول تعالى في كتابه العزيز إلا السعي:«وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ».

على هذا الأساس، أود أن اذكركم و نفسي بقيمة العمل و فوائده الجمة، سواء من الناحية الدينية أو الاقتصادية أو الإجتماعية، بل و حتى النفسية، لاسيما أعمالا من النوع الذي نزاوله نحن أسرة القضاء، بغض النظر عن المقامات أو المناصب التي و إن اختلفت و تعددت إلا أنها تقف جميعا على قدم المساواة من حيث الأهمية و الفعالية، لذا وجب تحقيق انسجام  و تكامل بين جميع المسهمين في العملية الإنسانية الساعية إلى إحقاق الحق و إبطال الباطل، و نقصد جميع مكونات محكمتنا الموقرة بدءا من الرئاسة و مرورا بالنيابة العامة و كتابة الضبط و وصولا إلى باقي الموظفين بمختلف المصالح سواء البارزين منهم أو المشتغلين في صمت…

و لأننا نمارس نشاطنا القضائي داخل منطقة مشهود لها بإشاعة مجموعة من القيم الإنسانية النبيلة، و روح التكافل و التضامن، و اتصافها بخصال حميدة كالشهامة و المروءة و الكبرياء و الكرم… فقد آثرنا أن نعكس هذه المناقب داخل جدران هذه المحكمة و نشرها داخل صفوف موظفينا الكادين بهدف توفير الجو الملائم لهم، و ذلك من خلال تطبيق مجموعة من الإجراءات الداعمة لمجهوداتهم، كاعتماد آلية التسلسل الأفقي و نبذ التسلسل العمودي، من أجل تحرير موظفينا و إعطائهم مساحة عمل أوسع، و كذلك الإهتمام، على قدر المستطاع، بوضعيتهم الاجتماعية و إطلاق مجموعة من المبادرات المتواضعة التي  لن تكافئ مجهوداتهم الجبارة في تحقيق المهام المنوطة بمحكمتنا. و نؤكد أننا على أهبة الإستعداد لتقديم أي مساعدة ممكنة لموظفينا الأفذاذ الذين نكن لهم فائق التقدير و العرفان، و نرى فيهم إخوانا و أبناءا و أحبابا نبادلهم مشاعر صادقة أريجها الحب و المكانة العالية الرفيعة… فنسعد لبهجتهم، و نجزع لمصيبتهم مشكلين جسدا واحدا تفيض جوانحه بالتآخي و التآزر و التسامح و التضامن،آخدين بأيدي بعضنا البعض في سبيل تحقيق مقاصدنا و مساعينا، خصوصا الموظفين الحديثي العهد بمحكمتنا، فأفضل ترحيب نستقبلهم به هو تعبيد الطرق لهم و تذليل الصعاب بتقديم أي مساعدة يحتاجونها التي تخول لهم التأقلم السريع و الإندماج الإيجابي، و الذي ستظهر ثماره داخل كل المكاتب و المصالح. و عموما يجب أن تنبني العلاقات الرابطة بين جميع الفصائل على التفاهم و أن يطبعها الإحترام و التقدير المتبادلان لكل فرد تجاه زميله، دونما التفات إلى اختلاف المراتب و المناصب.

لكن ذلك كله لن يجدي نفعا و لن يؤتي أكله في غياب الإلتزام بأخلاقيات المهنة و أسسها و تحري ضوابطها، فلا أرى أنكم بحاجة إلى التذكير بحساسية المجال و خصوصياته. و إذا كانت الأخلاق و السلوكات الحميدة مرغب فيها داخل المهن الأخرى فإن مهنتنا ترتكز بالأساس على هذا الجانب و تعتمد عليه في تحقيق مساعيها. فما أحوجنا إلى النزاهة المفقودة و الموضوعية المطلوبة و الشفافية المسلوبة. كي نحقق مساعينا المتمثلة في نصرة المظلوم و رفع الضيم عنه، و إعادة الحقوق إلى أصحابها بجزر المعتدين و ردع الجائرين. و لن يتم ذلك إلا بصحوة الضمير المهني و يقظته المتواصلة في رصد كل صغيرة و كبيرة، حتى نضمن حق الله الآمر بالعدل، و حق المواطن الطامح إلى الإنصاف، و حق الوطن المحتاج إلى استئصال جراثيم البغي و الفساد…

إن تضافر هذه المعطيات يعد السبيل الأوحد إلى تحسين جودة العمل و نبذ التقصير الذي ينجم غالبا إما عن عجز أو كسل أو إهمال أو غش، و هي كلها صفات ذمها ديننا الحنيف، و مجتها الطباع السليمة، و رفضتها القيم و الأعراف المغربية العريقة. و قد وعد الله الأمم التواقة إلى المجد خيرا غير أنها لن تصل إلى مبتغاها و لن تحقق مطامحها إلا بالعمل الجاد المتقن و كل أمة أنفت من العمل و استكانت إلى الكسل إلا و أسرع إليها الهرم، و سارت إلى الفناء و الإضمحلال.

إن مجال القضاء مجال لابد أن يلقي بظلاله على صورة كل بلد، فإن عرفت محاكمه بعدلها و قسطاسها جرى ذكر ذلك على ألسنة الرعايا، حتى يشتهر هذا البلد بصفة العدل، و به يحصل الاستقرار و الرضا و الثقة في سائر الربوع. أما إن عرفت هذه المحاكم بجورها و بغيها فإن أنفس الساكنة تضيق إحساسا بالضيم، فتنطق شفاههم بالسخط و الرفض، حتى يمسي الطغيان سمة لصيقة به و يسري ذلك في شتى بقاعه و ثغوره، فتصير الطباع هائجة مضطربة تشكو غياب الثقة و النزاهة. من هذه المقارنة يستمد ميدان القضاء حساسيته و خصوصيته التي أشرنا لها في بداية كلمتنا هذه. و قدكان مجموعة من الأولياء و الأتقياء إذا عرض عليهم منصب في القضاء رفضوه لأنهم كانوا على إدراك تام بجسامة هذه المسؤولية و أنه تكليف قبل أن يكون تشريفا.

و في الختام لا يسعني إلا أن أعرب عن اطمئناننا على كفاءة موظفينا و نزاهتهم و حسن ظننا بهم، كما نتقدم لكم بجزيل الشكر لأعمالكم السالفة و حرصكم الشديد على إرساء دعائم دولة الحق و القانون و بحثكم على السير قدما في تحقيق تميز و تفرد يضمنان لمحكمة جهتنا الموقرة القيام بواجبها على أكمل وجه متمنيا مزيدا من العطاء و التوفيق و النبوغ لموظفينا المحنكين.

كما أجدد امتناني و شكري للحضور الكريم، متمنيا للجميع كامل التوفيق في مهامهم، و الصحة و العافية في أبدانهم، و النجاح و السؤدد لأفراد عائلاتهم.

وفقنا الله جميعا لما فيه خير وطننا العزيز تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أدام الله عزه و نصره.

و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.